* "التوصيات الجديدة تخص بالتحديد أولئك الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من أمراض بالقلب أو الأوعية الدموية والذين يتناولون الأسبرين للوقاية فقط من الإصابة بمثل هذه الحالات المرضية للمرة الأولى"

* "ورغم تحذير التوصيات الجديدة من هذا الاستعمال، إلا أن الطبيب المختص قد يرى فائدة في وصف الأسبرين كوقاية في بعض الأصحاء حسب ما تقتضيه ظروفهم الفردية"

....................................

لعقود طويلة استخدم الأسبرين بجرعات قليلة بصفة يومية للوقاية من الأزمات القلبية والسكتات الدماغية والعديد من اضطرابات الجهاز الدوري، ثم ظهرت دراسات متتابعة تتحدى هذا الاعتقاد.

عززت دراسات حديثة الرأي المخالف لاستخدام الأسبرين اليومي للوقاية من الجلطات الدموية في شرايين القلب والمخ، أدى ذلك كله لاستحداث توصيات إرشادية جديدة ضد الاستعمال اليومي للأسبرين. إذ تبين أنه قد يحدث أضراراً أكبر من الفوائد المرجوة منه.

تقول الدكتورة ايرين ميكوس  وهي من المشاركين في صياغة التعليمات الإرشادية الوقائية الجديدة التي طورتها الجمعية الأمريكية للقلب والكلية الأمريكية لطب القلب:

"التوصيات الجديدة تخص بالتحديد أولئك الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من أمراض بالقلب أو الأوعية الدموية والذين يتناولون الأسبرين للوقاية فقط من الإصابة بمثل هذه الحالات المرضية للمرة الأولى.

هذة التوصيات الجديدة لا تنطبق على المرضى الذين عانوا في الماضي من أزمات قلبية أو سكتات دماغية ولا تنطبق بطبيعة الحال على كل من أجريت له جراحة توصيلة جانبية أو دعامات لشرايين القلب التاجية.

فكل من لديه بالفعل أمراض بالقلب تجعله عرضة لتكرار الأزمات القلبية والسكتات الدماغية ينبغي عليه أن يستمر في تناول الأسبرين للوقاية من تكرارها تبعاً للوصفة الطبية التي يقررها طبيبه الخاص"

بالنظر إلى نتائج دراسات ثلاثة مهمة نشرت العام الماضي بجانب دراسة تحليلية كبيرة خرجت للنور هذا العام في 2019 وضعت في الاعتبار النتائج التي تمخضت عنها عشر دراسات أخرى في نفس المضمار، تبين أن مخاطر النزيف الداخلي المحتملة والأعراض الجانبية الأخرى جراء التعاطي اليومي للأسبرين تفوق الفائدة المنتظرة منها لدى الأصحاء الذين ليسوا عرضة لأمراض القلب بنسبة كبيرة.

إحدى هذه الدراسات لم تجد أي فائدة واضحة من تناول الأسبرين الوقائي يومياً  للأصحاء الذين تزيد أعمارهم عن 70 سنة بل على العكس، وجدت هذه الدراسة دليلاً على احتمالية حدوث أضرار صحية وأعراض جانبية، ولذا عمدت الجمعية الأمريكية للقلب والكلية الأمريكية لأطباء القلب لتحديث التوصيات الإرشادية محذرة وبشدة من استخدام الأسبرين في تلك الحالات.

حالياً تنصح الخدمات الوقائية في الولايات المتحدة (وهو فريق مستقل من الخبراء المحليين في الوقاية من الأمراض) البالغين في المرحلة العمرية ( 50-59) المعرضين لاحتمالية إصابة كبيرة بأمراض القلب والأوعية الدموية بتناول جرعات الأسبرين اليومية كسبيل للوقاية من هذه المخاطر الصحية.

لكن توصياتهم الحالية قائمة على حسابات غير دقيقة واحصائيات مأخوذة عن دراسات أقدم كما تقول الدكتورة ميكوس.

لقد انخفضت معدلات الإصابة بالأزمات القلبية في السنوات الأخيرة بفضل الإقلاع عن التدخين والتحكم الأفضل في ضغط الدم ومستوى الكوليسترول، ربما كان تناول الأسبرين أكثر جدوى فيما مضى حيث كانت معدلات الإصابة بالأزمات القلبية أعلى.

لكن في مجتمع اليوم، يمكن القول بأن الفائدة المرجوة من الأسبرين في تجنب الأزمات القلبية لا تستدعي المخاطرة إذا ما وُزِنت في مواجهة خطر النزيف كعرض جانبي مثبت وقائم بالدليل. رغم ذلك فلازال يمكننا الاستفادة من الأسبرين لحماية مجموعة محددة من المرضى (40-70 عاماً) والذين تزيد لديهم احتمالات الإصابة بأزمات قلبية بشكل كبير وذلك بعد استبعاد خطر النزيف كما يحدده الطبيب المختص.

"في حال استخدام الأسبرين للوقاية من الأزمات القلبية للمرة الأولى في الأشخاص الأصحاء، يتساوى بشكل عام النفع المنتظر من الأسبرين مع خطر النزيف المحتمل كعرض جانبي. إذاً، فما النفع العظيم من استعمال الأسبرين في هذه الحالات؟!"  تقول الدكتورة ميكوس.

يضيف الدكتور دانييل مونيوز وهو عضو آخر في اللجنة التي وضعت التوصيات الإرشادية الجديدة في الاستعمال الوقائي للأسبرين:

" تعكس النصائح الجديدة التي رشحت عن اللجنة فلسفة التعهد الأول الذي يقطعه الطبيب على نفسه فوظيفة الطبيب الأولى هي" ألا يتسبب في الضرر" كما ينسب إلى قسم أبقراط. وهذا ماساهم في تطوير طريقة تفكيرنا في استعمال الأسبرين للوقاية الأولية من الكثير من أمراض القلب والأوعية الدموية.

يؤكد مونيوز مرة أخرى على ما ذهبت إليه الدكتورة ميكوس من أن هذه التوصيات الإرشادية لا تسري على المرضى الذين يعانون بالفعل من أمراض الشرايين التاجية ولكنها تخص استعمال الأسبرين من قبل الأصحاء بغرض الوقاية الأولية من أمراض القلب والأوعية. ورغم تحذير التوصيات الجديدة من هذا الاستعمال، إلا أن الطبيب المختص قد يرى فائدة في وصف الأسبرين كوقاية لبعض الأصحاء حسب ما تقتضيه ظروفهم الفردية.

من الواضح أن الأسبرين قد يتسبب في  أذى أكبر من نفعه في الوقاية، وذلك في فئات محددة من الناس مثل كبار السن وخصوصاً أولئك المعرضين أكثر من غيرهم لمخاطر النزيف الداخلي. لكن دعونا نتحاشى التعميم في هذه التوصيات فلا يمكن أن تصلح قاعدة واحدة لكل الناس على اختلاف ظروفهم الصحية. فالقرار إذا بيد الطبيب المختص الذي يحدد ما يناسب كل فرد.

توافقه الرأي الدكتورة ميكوس وتضيف:

ربما يرى الطبيب المختص في بعض الحالات أن يصف الأسبرين لبعض الأشخاص الأصحاء إذا كان لديهم أقارب يعانون من أمراض القلب (تاريخ عائلي) أو إذا أظهرت فحوصات الشرايين التاجية ضيقاً أو تراكماً للأنسجة التي تسبب تصلب الشرايين بشكل ملحوظ.

لكن معظم الأشخاص غير المعرضين بشكل كبير لأزمات القلب يمكنهم حماية أنفسهم منها عن طريق تبني نمط الحياة الصحي مثل: تناول الطعام الصحي، ممارسة الرياضة بشكل منتظم، التحكم في ارتفاع ضغط الدم ومستوى الكوليسترول .وربما يمكنهم استعمال عقاقير الـ"ستاتين" للسيطرة على مستوى الكوليسترول إذا تطلب الأمر. هذه التعديلات تلعب دوراً أكثر أهمية بكثير من الأسبرين في الوقاية من أمراض القلب والأوعية.

crossmenu